يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، منذ أكثر من عقدين، إلى تحويل بلاده إلى مركز إقليمي للطاقة، بحسب ما يشرح سردار بكاش وزينب بيبي في تحليلهما لمستقبل الطاقة في سوريا ما بعد الأسد. وقد فتحت الإطاحة بحكم بشار الأسد في سوريا الباب لتحقيق هذا الطموح القديم عبر الوصول إلى أسواق الطاقة الإقليمية.
في 30 يوليو 2025، أعلن وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار أن تركيا ستبدأ، اعتبارًا من 2 أغسطس، تصدير الغاز الطبيعي من أذربيجان إلى مدينة حلب عبر محافظة كيليس القريبة من الحدود السورية. وموّل هذا الاتفاق كل من تركيا وسوريا بدعم قطري يهدف إلى التخفيف من أزمة الكهرباء في سوريا، بحسب ما نقل موقع ميدل إيست مونيتور.
ولا يقتصر الدعم القطري على البعد الاقتصادي، بل يحمل بعدًا استراتيجيًا، إذ تسعى الدوحة لتعزيز نفوذها عبر خط الغاز الجديد، بما يتيح لها منافسة مشاريع الطاقة المدعومة من السعودية والإمارات، والوصول المباشر إلى السوق الأوروبية دون إثارة ضجة سياسية.
أعلنت أنقرة أيضًا عن مشروع جديد يتيح تصدير 900 ميجاواط من الكهرباء إلى سوريا، ما يغطي احتياجات نحو 1.6 مليون أسرة سورية، فضلًا عن توفير ملياري متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، بدءًا من 2 أغسطس، لدعم البنية التحتية والاستثمار في الطاقة المتجددة.
تحتل تركيا موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا بين الدول الغنية بالطاقة والقارة الأوروبية المستهلكة لها. وتدير بالفعل عدة خطوط أنابيب كبرى، مثل "تاناب" (لنقل الغاز الأذري إلى أوروبا)، و"تورك ستريم" (لنقل الغاز الروسي)، و"باكو-تبليسي-جيهان" و"كركوك-جيهان" لنقل النفط. ويمكن لأنقرة، من خلال إعادة تأهيل خطوط كركوك-جيهان لتمتد إلى شمال سوريا، أو عبر ربطها بمسارات الغاز الخليجي عبر الأراضي السورية، أن تعزز هيمنتها على معادلة الطاقة الإقليمية.
ولا تتحرك تركيا وحدها؛ فالسعودية وقعت 47 اتفاقية في سوريا بقيمة 6.4 مليارات دولار، وتخطط لتوفير 200 ألف وظيفة. كما أعلنت دمشق، في 6 أغسطس، عن صفقات استثمارية إضافية بقيمة 14 مليار دولار، منها 4 مليارات لتوسعة مطار دمشق بالتعاون مع شركة قطرية، وملياران لمشروع مترو مع شركة إماراتية.
في ضوء هذه التطورات، تسعى الدول العربية إلى تنويع مسارات الطاقة وربط الأسواق الأوروبية والشرق أوسطية والقوقازية عبر سوريا وشبه جزيرة الأناضول ومضائق تركيا. وقد أعادت عدة دول أوروبية، منها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والنرويج، علاقاتها مع الحكومة السورية المؤقتة، وخصّصت برلين 50 مليون يورو كمساعدات أولية، مع وعود بمنح 300 مليون إضافية.
دفعت النزاعات المتصاعدة في المنطقة – خاصةً في غزة، والهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر، والتوترات بين إسرائيل وإيران – الدول للبحث عن بدائل آمنة لمسارات الطاقة. شهدت ممرات الشحن في البحر الأحمر تراجعًا حادًا تجاوز 65٪، كما انخفضت حركة السفن في ميناء إيلات بنسبة 90٪، ما زاد الضغط على مضيق هرمز، الذي يمر عبره 20٪ من تجارة النفط والغاز العالمية.
أدّت الحرب الروسية الأوكرانية إلى اضطرابات واسعة في سوق الطاقة الأوروبي، ورفعت الأسعار، وأوقعت ملايين الأوروبيين في الفقر. وفي هذا السياق، يكتسب المشروع التركي-السوري بعدًا جيوسياسيًا جديدًا.
قبل أعوام، وقفت أنقرة ودمشق على طرفي نقيض من الحرب. واليوم، يقف البلدان على طرفي خط أنابيب. حققت تركيا مكاسب استراتيجية على حساب روسيا وإيران، وتسعى الآن إلى استغلال موقعها الجغرافي وموقع سوريا لتصبح لاعبًا رئيسيًا في سوق الطاقة. وبدعم من السعودية وقطر، رغم تناقض المصالح أحيانًا، باتت أنقرة قادرة على تقديم نفسها بوصفها صلة الوصل بين احتياطات الطاقة الآسيوية والأسواق الأوروبية.
لكن هذه المقامرة محفوفة بالمخاطر. فاعتماد أنقرة على دول هشة مثل سوريا قد ينعكس سلبًا عليها، كما حدث مع روسيا وإيران. وقد يثير المشروع توترات مع قوى خليجية إن شعرت أن مصالحها لا تتحقق عبر المسارات الجديدة. ويبقى على تركيا أن توظف دبلوماسيتها بحذر لتفادي التصعيد والحفاظ على حلمها في أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة.
https://www.middleeastmonitor.com/20250808-turkeys-big-energy-gamble-in-post-assad-syria/